[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]عودة الفلاح الفصيح!
الصديق بو دوارة*
"1"
في ذلك الزمان الغابر، ومنذ أكثر من ثلاثة آلاف سنة من الآن كانت مصر تمر بظروف اجتماعية بالغة الصعوبة وفي منتهى الحرج.
"2"
من أكثر من ثلاثة آلاف سنة، وبالتحديد في الفترة بين 2134 إلى 1027 قبل ميلاد المسيح، كان عصر الفراعنة الأقوياء قد مر بفترة وهن وضعف، وعاشت البلاد في مأزق حقيقي تمثل في الأسرتين الخامسة والسادسة اللتين سادهما ملوك ضعاف اضطرب في أيامهم أمر البلاد والعباد، وبعد أن كانت مصر أيام الأسرة الرابعة تحت ظل خوفو وخفرع بناة الأهرام أصبحت في مرحلة حكام ضعاف عجزوا عن وضع حلول مقنعة للأزمات الاقتصادية في البلاد فتدهورت الأحوال وحان وقت الأيام الصعبة ليعيشها الجميع.
"3"
في تلك الفترة المظلمة كان الفلاح المصري البسيط "أنوبيس" يقود حميره المحملة ببضاعته الشحيحة ليقايضها بالحبوب من سوق العاصمة "أهناسيا"، حاضرة مصر ومركز ازدهارها في ذلك العصر، وفي الطريق تعرض لعملية نصب بشعة من أحد موظفي رئيس البلاط الملكي، راحت ضحيتها ثروته المتواضعة وحميره الصبورات، فلم يجد مفراً من التوجه بالشكوى إلى رئيس البلاط شخصياً.
"4"
يحدث هذا في كل عصر، فقير معدم يتعرض لعملية سطو، وكأن دماء هؤلاء المعدمين "بروتينات" مغذية للصوص ومجرمي "المال العام والخاص"، ولكن، لماذا أروي لكم هذه الحكاية بالذات ما دام هذا يحدث في كل عصر؟
"5"
كان "أنوبيس" البائس يحضر كل يوم إلى بلاط رئيس البلاط، يشكو ويشكو، ويفصل أثناء شكواه أحوال البلاد والعباد، ويظهر أنه كان فصيحاً وافر البلاغة، متمكناً من اللغة واللهجة معاً، ساحراً بأسلوبه، ماهراً في عرض شكواه، حتى أن رئيس البلاط وجد متعةً في سماع ما يتفوه به المظلوم المعدم، فأمر كتابه بتدوين ما يشكو به الفلاح حرفياً، ثم رفع الأمر إلى فرعون مصر "نب كاو رع" شخصياً.
"6"
""في بلاطك يا مولاي من يجيد الشكوى، فهل لك أن تشرفه بسماع شكواه البليغة؟""..وافق الفرعون.فالقنوات الفضائية لم تكن قد اخترعت بعد.
"7"
ولكن.. كيف كان يشكو الفلاح؟ ولماذا أروي لكم هذه الحكاية بالذات ما دام هذا يحدث في كل عصر؟
"8"
هل تقرأون معي الآن بعض ما كان يتفوه به الفلاح الفصيح؟ ذلك المصري الفقير الذي سلبت حقوقه منذ أكثر من ثلاثة آلاف سنة، لنقرأ الآن لعل الرسالة تصل.
"9"
""يا رئيس البلاط العظيم، سيدي، يا كبير الكبراء، يا أغنى الأغنياء،أليس العار أن الميزان مائل ومقيم العدل منحرف، انظر، هاهو العدل يرزح تحت ثقلك مشرداً من مكانه، فالمسؤولون يتسببون في الويلات.. والمحققون يقتسمون المسروقات ومن يقوم بالقسمة سارق.. ومن عليه مكافحة الفقر يزيده، والبلد بلا حول تغرق في بحره، ومن عليه محاربة البؤس يتسبب في الكوارث، ومن يكيل مخزون القمح يختلسه لنفسه، والذي يكيل للآخر يسرقه.. ومن عليه الحكم بالقانون يقود عملية النصب؛ من يقاوم الشر إذن؟ من عليه مكافحة البؤس يفعل العكس.. ومن عليه الحزم يتواطأ.. ومن عليه إنصاف الآخرين يظلم.. متى تشعر بقبح العفو عن المجرم؟ خسائرٌ في كرومك.. نقص في دواجنك.. تصحر في طيورك البرية.. من يرى صار أعمى.. من يسمع أصبح أصمّ ومن يقود منقاد.. آه يا سيدي، متى تعود لصوابك؟"".
"10"
هذا بالنص، وبالحرف الواحد جزء بسيط مما كان يشكو به ذلك الفلاح البائس منذ أكثر من ثلاثة آلاف سنة قبل الآن، ذلك المصري الذي سلبت حقوقه ذات يوم، فهل استيقظ ذلك
البائس من موته ليشكو من جديد؟.
________